شعراء عرب في يومهم العالمي: أين أنت أيها الشعاع الذهبي؟

يهدف اليوم العالمي للشعر إلى دعم التنوع اللغوي، وتكريم الشعراء، وإحياء التقليد الشفهي للأمسيات الشعرية، لكن الشعراء العرب استقبلوا هذا اليوم بالتساؤلات والإحباط.

منظمة اليونسكو أقرت اليوم العالمي للشعر قبل 22 عاما (غيتي)

وافق أمس الأحد 21 مارس/آذار 2021 يوم الشعر العالمي، الذي أعلنه المؤتمر العام لليونسكو -في دورته 30 سنة 1999 في باريس- يوما عالميا "لتكريم الشعراء، وتعزيز قراءة وكتابة وتدريس الشعر، وتعزيز التقارب بين الشعر والفنون الأخرى، وإعطاء اعتراف جديد للشعر بينما يستمر في التقريب بين الناس عبر القارات".

واليوم، بعد مرور عقدين من الزمن على الإعلان الأممي يتساءل البعض: هل ما زال الشعر فن التقريب بين الناس أو أنه بات فن الاحتفاء بمواجع الذات وتشظياتها، وعزلتها، وضاعفتها الحروب والأوبئة والمتاهات؟

واحتفى الشعراء العرب بيومهم العالمي عبر منصة فيسبوك بطريقة بانورامية، اختلط فيها اليأس مع الحيرة، وتداخلت قصائد التشظي والإحباط مع قصائد استعادة الماضي، في محاولة للملمة أشلاء الروح المتطايرة في كل الأنحاء، بعد أن عجز الشعر أمام آلة الحرب، وتضاعفت عزلاته أمام جائحة كورونا، التي أودت بحياة عدد من الشعراء، في حين نجا البعض منها بأعجوبة، ناهيك عن مئات الآلاف من الضحايا في أنحاء المعمورة.

احتفاء بالشعر وجمال اللغة العربية، أطل الشاعر السوري علي أحمد سعيد (أدونيس) من بعد غياب على جمهوره، يقرأ قصائده إلكترونيا، في مبادرة رقمية بمناسبة يوم الشعر، نسقتها وأنجزتها نينار إسبر، وغير بعيد أقيمت "أصبوحات" وأمسيات شعرية عربية، وبدا ملفتًا هذا العام بروز فعاليات شعرية على المنصات الافتراضية مثل زوم وفيسبوك وغيرهما.

وفي المقابل، بدت حالة من الإحباط والهزيمة تكاد تتحدث عن نفسها، إذ بات الشعر وحيدا يتيما رغم فرص الظهور والنشر المتوفرة لشعراء اليوم، كما أن الشعر أثبت عجزه عن أن يكون صوت البشرية وسلاحها لمواجهة الحروب والكوارث والأوبئة، حسب نقاد وشعراء عرب.

وفي مبادرة مغايرة، وزعت دار خطوط وظلال للنشر في عمّان بطاقات تهنئة لعدد من الشعراء والشاعرات العرب في يوم الشعر العالمي، في حين اكتفى شعراء عرب -طوال الفترة الماضية- بنشر صورهم وهم يتلقون اللقاح في "زمن كوروني".

وتظل السمة الغالبة على منشورات الشعراء أنها ممهورة بلغة الصمت والكآبة والعزلة، بل عاجزة عن تقديم ما ينقذ البشرية من جحيم حروبها وكوارثها وأوبئتها.

وداعًا فيسبوك

الشاعر اللبناني وديع سعادة، الفائز بجائزة الأركانة مؤخرًا، أعلن في صفحته على فيسبوك قبل ساعات فقط من الاحتفاء بـ"يوم الشعر"، مغادرته فيسبوك، وكتب "وداعا أيها الفايسبوك".

وقبلها بيومين على الأقل كتب "للدم لسان، كلُّ نقطة منه وهي تسقط تقول:، البشرية كلّها سقطت".

وديع نفسه نشر في 23 فبراير/شباط الماضي ما يقول عنها "وصيتي التي أعرف أن عائلتي لن تعمل بها" أن يحرقوا جثتي ويضعوا رمادها في إناء، ويضعوا إناء رماديا على الطاولة في بيتي في شبطين.

أما الشاعر العراقي المقيم في المملكة المتحدة عبد الكريم كاصد، فنشر نصًا مستعادًا من نصوصه القديمة بعنوان "مديح" بادئا بتوطئة:

"بمناسبة اليوم العالمي للشعر"، يبدأ النص بعبارة "الجميع يتقاعدون"، معددا فئات ومسميات، منها المغنيون والجنرالات وخزائن الحرب والعرافون والموسيقيون والعشاق، "إلا الشاعر، وهو يهمس في أذن الأبدية العجوز، الصمّاء، أشعارَهُ الباقية".

"لست شاعرًا"

"لست شاعرًا"، هكذا كتب الشاعر المغربي المتوج بجائزة الأركانة العالمية المغربية للشعر محمد بنطلحة عشية يوم الشعر العالمي، وكتب بنطلحة في منشور غير بعيد في فيسبوك: "التاجر، حينما يفلس، يعود إلى دفاتره، القديمة، كذلك الشاعر".

وفي نص آخر، يستعيد بنطلحة ما يمكن أن نقول عنه: قلق الشعر في أقصى مغامراته مُبَاغَتا بالحروب والأوبئة، اليوم: "حكيم كالرماد، وحيثما حللت، كألوان الطيف، لا أستريح، أتجدد، صبرا علي، هنيهة وأخرق ما أريد، قبالة شواطئ اللغة، ناقلة بترول، تحت أجفان العائلة، رداء الغطس، وتحت أجفاني، معاهدة شنغن، وقانون الصحافة".

ويختم بنطلحة "ليس لي email، هدبي حمام زاجل، وكل رسائلي تنتهي بالعبارة التالية:، حتى بعد كل هذه الهزائم، أنا هو المنتصر".

ومقتبسا لإيليا أبو ماضي، ينشر بنطلحة: "جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت، ولقد أبصرت قدامي طريقا، فمشيت، وسأبقى ماشيا، إن شئت هذا أم أبيت، كيف جئت، ؟ كيف أبصرت طريقي، ؟ لست أدري!"

هموم شعرية

الشاعران والناقدان الأكاديميان المغربي صلاح بوسريف واللبناني شربل داغر بدا أنهما تعاملا مع مناسبة يوم الشعر العالمي بجدية، وبرؤية تنطلق من معايشة للشعر ممتدة لعقود، وقراءة تمتد إلى المستقبل أيضا.

متصديًا لهموم شعرية عربية ليس آخرها إشاعات موت عبد الله العروي وعبد العزيز المقالح، التي وجدت طريقها إلى مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، لتجد للأسف من يتلقفها بالتداول والنحيب، بينما أصحابها أحياء يرزقون؛ كتب بوسريف في هذا الصدد أنه لا يمكن للشعر أن يكون حرب مواقع وبلاغات، "لأن الشعر لم يكن في يوم ما ملك حزب أو جماعة أو قبيلة".

وأردف بوسريف أن الشعر كان -دائما- الصقر الذي يتعقب الغابة من أعلى قمم المجاز، أو البومة التي لا تخلف صوتا وراءها، وهي تطلق جناحيها في الريح، لترى ببصيرتها، ما عم من عمى في العقول والأخيلة والأبصار.

ويؤكد بوسريف أن الشعر أن تقيم في عزلتك، في يتمك، في الظلال التي تركت شمسها خلفك، لا تعبأ بما في ذهبها من ضوء، لأنك في الشعر؛ إما أن تكون الضوء أو لا تكون.

ويتابع: لو كل هذا الكلام الذي يجري خارج الشعر كان داخله، في نصوصه وتجاربه، لكان الاحتفال فعلا احتفالا بالشعر.

وقبل يومين من مناسبة يوم الشعر، كتب صلاح بوسريف معبرا عن اعتقاده بأن "أهم شيء يفيد الشعر بكل أنواعه هو قراءته، وتأمله، ودراسته، والكشف عن اختراقاته، وما فيه من جرأة واكتشاف، ومساحات مغايرة لما عرفناه في الكتابات السائدة، بالذهاب إلى التجارب، في مجموع ما نشر وصدر، وليس بقراءات النتف والتراقيع".

"ولو كنت وحدي"

"أنا فرحٌ بعيدِه، ولو كنتُ وحدي". هكذا كتب شربل داغر، محتفيا بالمناسبة. وتحت عنوان "إفاقةُ كونٍ في عينِ استعارة"، كتب داغر قائلا إنه لا يريد أن يشكو من حال الشعر، هنا أو هناك، بل أن يحتفي به، ما دام أن كل قصيدة جديدة عيدُ ميلادٍ جديد.

وأضاف داغر -في صفحته على فيسبوك- أريد أن أعبر عن فرحي به (أي بالشعر)، عن امتناني له، عن كونه سمحَ لي بأن أكون غير ما أنا عليه. أن أكون في أحوال ما كنت لأحياها لولاه: أحياها في ذلك التنقل الخفيف أو المتسارع فوق ممرات ضيقة وخانقة، لا أطير، وإنما أعبث بهذا كله، أحولُه، من خسيس إلى نفيس، . فأعمقُ ما يُوجعني، وأعلى ما يُفرحني، له طعمٌ مختلف، غير الدمعة أو الهيصة، له وجود آخر: ما يُبهجني مثل إفاقة كون في عين استعارة، أنا فرحٌ بعيدِه، ولو كنتُ وحدي.

كثير من الأسئلة

ويستمر المشهد البارنورامي في حالة الاحتفاء بيوم الشعر العالمي، من قبل الشعراء أنفسهم، ففي حين يرى الشاعر المصري عبد الوهاب الشيخ أن "أعظم احتفال بالشعر في يومه يكون -في ظني- بتسليم رايته إلى أجيال شابة أقدر على حملها والمضي أبعد في طريق الحفاوة به وبكتّابه".

"من دون مناسبة.. ما الذي يجعل الشعر أكثر قوة من الصمت؟" هكذا يتساءل الشاعر والفنان مهدي النفري، في منشور على فيسبوك، ويجيب: يبدو الأمر لكثير من القرّاء أن القصيدة كلمات تسقط على الشاعر مثل حبات الثلج، لكن الحقيقة أن كل كلمة تنفتح من شرايين الكاتب، من أغصان تنبت في دمه، يغذيها بمشاعره ويرويها بأمواج وجعه.

ومن يتابع الكثير مما يكتبه الشعراء العرب اليوم، يجد نفسه أمام أسئلة لا تنتهي، أسئلة الوجود وجدوى الشعر.

إلا أن الشاعر اليمني محيي الدين جرمة، بلغة مثقلة بأعباء الحرب وأهوالها، احتفى بيوم الشعر على طريقته "الشعر لا يحتاج إلى شهادة تسنين من أحد".

شعاع ذهبي مفقود

وفي حيرة، تكتب الشاعرة السورية وداد سلوم "يخطف الموت منا الأصدقاء ليجعلنا ندرك أنه لا شيء سوى الوحدة رفيقنا الأبدي"، وهنا مشاعر فقد وهزيمة وعزاء تكتفي الشاعرة سلوم -وتكتوي- بإعلانها.

الشاعرة نيالاو حسن آيول، من جنوب السودان تقول بالعربية في يوم الشعر العالمي "بجانب المكتبة الخشبية القديمة، أقف، ، أقلِّب الكتب المتربة، المتنبي، ابن زيدون، مي زيادة، فدوى طوقان، عبد الصبور، أدونيس، الفيتوري، الأبنودي، إسماعيل ود حد الزين، ميلتون، بريتون، إليوت، بليك، رامبو!"

ومتسائلة: "أين أنت أيها الشعاع الذهبي، ؟ الشمس الأبعد من باريس وإثيوبيا، أصبح الشعر بعدك مثل نسر، تدحرج من فوق قمته، وتقف الأرض، صمتا، تنتظر مخلبه المكسور".

أحمد الفلاحي، الشاعر اليمني الذي يقيم منذ سنوات بين المغرب والسويد، يواصل نصوصه متقاطعا مع الحرب، الحرب التي تعصف ببلده البعيد (اليمن). كتب الفلاحي يقول "بين نغمة ضوء، ورقصة حناء، حكاية طريق، الحرب تشير إلى السابعة، بتوقيت القذيفة، ".

ويكمل "لم يكن الوطن واضحا هكذا، غابة حقد حول المراعي، تدمع، كلما أبرقت، نافورة الضوء، . لو أن الوقت يكفي، لسرقة وطن، يبتسم، كانت الفراشات ترفرف، أعلى البسمة، واكتفينا بالهديل".

حالة من التبرؤ من الحرب -في نصوص الفلاحي- وفي مقابل ذلك الانتماء للوطن والتضامن معه، فهو "فراشة ترفرف" في الروح رغم كل شيء.

المجد للإنسان

غير بعيد، احتفى الشاعر العراقي المقيم في المملكة المتحدة صلاح فائق بنصوصه على طريقته كواحد من أغزر وأهم شعراء يوم الشعر، فهو يكتب قصيدة النثر بغزارة وبمغايرة.

ويجد فائق أن 21 مارس/آذار يوم المصادفات الرائعة؛ يوم الشعر، ويوم الأم، ويوم نوروز، وهذا رغم كارثة كورونا في كل أنحاء هذا العالم، لكننا نحتفل بهذه المناسبات رغم الوباء، لكن "سننتصر في النهاية. المجد للإنسان أينما هو".

تتشظى الروح الشاعرة في هجراتها وفي سفرها الدائم بين الأكوان والأصقاع، فثمة تفكير لا ينقطع في الهجرة حتى إلى المجهول، حين يندلع الخيال على طريقة صلاح فائق "حين أفكرُ بالهجرةِ، إلى جزيرة، أو مدينة أخرى، أجدُ أيائلَ جبالٍ، في الطرقات إلى المطار، أو إلى ميناء قريب، السياراتُ متوقفة، وخيول منطقتي تصهلُ، بعد أن أفهم هذه المشاعر، أحترمها: أعودُ إلى بيتي، تسبقني حقيبتي، يظهرُ كلبي من منزل أحد الجيران، وهناك من رتّب لي مائدة، حافلةً بخضار وفواكه، لا أعرفُ من هو".

مكابدات ومغامرات

"الشعر مغامرة فردية يقوم بها أحد ما، وعليه أن يتحمل مكابدات هذه المغامرة أولا، وعليه ألا يحمّل الآخرين (منّة) مغامرته ثانيا". هكذا انتهز الشاعر العراقي عبد العظيم فنجان فرصة الاحتفاء بالشعر في يومه العالمي.

وفي صفحة الشاعر والمترجم المصري الراحل محمد عيد إبراهيم على فيسبوك نشرت الشاعرة الجزائرية عنفوان فؤاد، التي تدير الصفحة، مقتبسةً لعيد إبراهيم: "لا أذكر أني يوما أردتُ شيئا من الشعر، ، مجرد رغبة في الكتابة تضغط عليّ، فأقوم بتفريغها كبداياتي مع الحب".

فرح وحزن

الشاعر والمترجم التونسي جمال الجلاصي يذهب بعيدا فيما يحتفي بيوم الشعر، حزينا وفرحا وأبعد من ذلك، أنشد الجلاصي "لا حاجة بي للشعر، بحيرات من القصائد، تركُد في داخلي، وأنا أكتم ما أسرّته لي، السمكات الصغيرة، ، عمّا يفعله الطمي، بالأعشاب…، بي من الفرح، ما يجلعني مأتمًا، وبي من الحزن، ما يجعلني كرنفال، ".

وبالطريقة ذاتها في الانكسار والحزن، نشر الشاعر اليمني قيس عبد المغني نصا إلى أمه، يقول فيه "أنا ذاهب إلى الحرب، يا أمي، لم أعد أجيد هدوء الموتى، ولم أملك يوما، صبر العبيد، أنا ذاهب إلى الحرب، يا أمي، لأن صمتي طعنة، في ظهور الرفاق، وحيادي أشد فتكًا بهم، من الرصاصة".

ويختم عبد المغني رسالته "لا شيء مثل الحرية، يا أمي، يستحق الانتظار".

المصدر : الجزيرة